الذكاء الاصطناعي يحقق جائزة نوبل أخرى في الكيمياء: تم تكريم هاسابيس وجامبر من Google DeepMind لابتكار AlphaFold

حصل فريق من العلماء، مكون من ديميس هاسابيس، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لقسم الذكاء الاصطناعي في جوجل "ديب مايند"؛ وجون جمبر، كبير علماء البحث في جوجل "ديب مايند"؛ وديفيد بيكر من جامعة واشنطن، على جائزة نوبل لعام 2024 في الكيمياء تقديراً لعملهم الرائد في توقع وتطوير البروتينات.

تتمحور هذه الجائزة حول "ألفا فوند 2"، نظام الذكاء الاصطناعي الذي تم إطلاقه في عام 2020، والذي يتوقع بدقة الهيكل الثلاثي الأبعاد للبروتينات استناداً إلى تسلسلات الأحماض الأمينية الخاصة بها. بيكر، الذي يقود مختبراً يركز على تصميم بروتينات جديدة تشمل تلك المستخدمة في الأدوية واللقاحات والمواد النانوية وأجهزة الاستشعار الصغيرة، تقاسم هذا الشرف مع زملائه.

تسليط الضوء على تأثير الذكاء الاصطناعي التحويلي في العلوم البيولوجية يتزامن بشكل وثيق مع جائزة نوبل في الفيزياء التي مُنحت لزميله في "ديب مايند" جيفري هينتون وجون ج. هوبفيلد من جامعة برينستون، تقديراً لمساهماتهما في الشبكات العصبية الاصطناعية.

أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم عن الجائزة البالغة 11 مليون يورو (حوالي مليون دولار أمريكي)، حيث تم تخصيص نصفها لبيكر والبقية مقسمة بين هاسابيس وجمبر.

حل تحدٍ بيولوجي دام 50 عاماً

أكدت لجنة نوبل على الإنجاز الكبير لـ "ألفا فوند" في معالجة توقع هيكل البروتين، وهو تحدٍ مستمر منذ خمسة عقود. تحدد الشكل الثلاثي الأبعاد للبروتين وظيفته، لكن التنبؤ بدقة كيف تتشكل سلاسل الأحماض الأمينية في هذا الشكل كان معقداً للغاية. رغم الجهود العديدة منذ السبعينيات، ظلت التنبؤات الدقيقة بعيدة المنال بسبب العدد الهائل من التكوينات المحتملة.

يستخدم "ألفا فوند" الذكاء الاصطناعي لتحقيق دقة قريبة من التجارب في توقع هياكل البروتين الثلاثية الأبعاد، مطابقةً النتائج التي تم الحصول عليها من طرق تجريبية تقليدية مثل البلورة بالأشعة السينية ورنين المغناطيسي النووي، مع هامش خطأ يقارب 1 أنغستروم (0.1 نانومتر). لقد ثبت أن هذه النقلة كانت أداة تحوّلية للبيولوجيين.

أثرت مساهمات هاسابيس وجمبر في "ديب مايند" في إعادة تشكيل علم الأحياء الهيكلي واكتشاف الأدوية، مما مكن العلماء على مستوى العالم. قال هاسابيس: "لقد تم بالفعل استخدام "ألفا فوند" من قبل أكثر من مليونين من الباحثين في مجالات حاسمة مثل تصميم الإنزيمات واكتشاف الأدوية. آمل أن ننظر إلى "ألفا فوند" كشهادة على إمكانات الذكاء الاصطناعي في تسريع الاكتشاف العلمي."

توافر "ألفا فوند" على مستوى العالم

تتوفر توقعات "ألفا فوند" عبر قاعدة بيانات هياكل البروتين الخاصة بـ "ألفا فوند"، وهي أداة مفتوحة الوصول تتيح للباحثين في 190 دولة استخدامها. بفضل القدرة على توقع هياكل البروتين في دقائق، بعد أن كانت عملية تستغرق سنوات، يسرع "ألفا فوند" بشكل كبير من أبحاث العلوم.

لعب هذا النظام دورًا بارزًا في معالجة مقاومة المضادات الحيوية وتصميم إنزيمات قادرة على تحليل البلاستيك والمساهمة في تطوير اللقاحات، مما يظهر أهميته في مجالات الرعاية الصحية والاستدامة.

علق جمبر قائلاً: "نحن فخورون بأن نُعترف بنا لتحقيق وعد البيولوجيا الحاسوبية لتعميق فهمنا للبروتينات ودعم جهود البيولوجيين التجريبيين." وأكد أن "ألفا فوند" يعد أداة اكتشاف تساعد العلماء في فهم الأمراض بسرعة وإنشاء علاجات جديدة.

أصل "ألفا فوند"

ترجع بداية "ألفا فوند" إلى استكشاف ديب مايند الأوسع للذكاء الاصطناعي. بدأ هاسابيس، وهو موهبة شطرنج، مسيرته في 17 عاماً، حيث شارك في تطوير لعبة الفيديو "Theme Park". بعد دراسة علوم الكمبيوتر وحصوله على دكتوراه في العلوم العصبية المعرفية، أسس "ديب مايند" في عام 2010. اشتهرت الشركة بقدراتها في الذكاء الاصطناعي، واستحوذت عليها جوجل في عام 2014 بمبلغ يقدر بحوالي 500 مليون دولار.

منذ أن تولى هاسابيس رئاسة "ديب مايند"، أشرف على تقدم كبير في الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الأنظمة التي حققت نجاحاً غير مسبوق في ألعاب مثل "Go". في عام 2018، دخل مشروع "ألفا فوند" منافسة التقييم الحرج لتوقع هيكل البروتين (CASP)، حيث فاز بتفوقه على فرق متعددة. شهدت النقلة الحقيقية في عام 2020 مع "ألفا فوند 2"، الذي عالج مشاكل طي البروتينات الصعبة بدقة غير مسبوقة.

يمثل "ألفا فوند 2" سنوات من البحث في الشبكات العصبية وتعلم الآلة، مما أسس "ديب مايند" كقائد في هذه المجالات. يمكن للنموذج، المدرب على مجموعات بيانات واسعة لهياكل بروتين معروفة، أن يعمّم توقعاته للبروتينات غير المعروفة، وهي قدرة كانت غير متخيلة سابقاً.

في وقت سابق من هذا العام، قدمت "ديب مايند" و"إيسومورفيك لابس" "ألفا فوند 3"، وهو نموذج مطور يحتوي على وحدة "إيفوفيرمر" المعززة وشبكة انتشار لضبط الهياكل الجزيئية المتوقعة.

دور ديفيد بيكر في تصميم البروتين

بينما تقدم هاسابيس وجمبر في توقع البروتين، يركز عمل ديفيد بيكر في تصميم بروتينات جديدة غير موجودة في الطبيعة. في معهد تصميم البروتين بجامعة واشنطن، طوّر مختبر بيكر “Rosetta”، وهي أداة حاسوبية لتصميم البروتينات الاصطناعية.

أدت ابتكارات بيكر إلى بروتينات تهدف إلى إنتاج علاجات جديدة، بما في ذلك الإنزيمات المصممة خصيصًا والجزيئات الشبيهة بالفيروسات للقاحات. قدّم فريقه حتى بروتينات قادرة على اكتشاف الفنتانيل، مما يعالج أزمة صحية عالمية.

من خلال إنشاء بروتينات من الصفر، يوسع بحث بيكر الإمكانيات التطبيقية للبروتينات، مما يكمل قدرات "ألفا فوند" في التنبؤ بتصميم جزيئات مصممة خصيصًا.

مستقبل الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي

تحتفل جائزة نوبل بالمساهمات العميقة لهاسابيس وجمبر وبيكر، مشيرة إلى اتجاه أوسع: أصبح الذكاء الاصطناعي لا غنى عنه في البحث العلمي. لقد أطلق نجاح "ألفا فوند" اهتماماً متجدداً في إمكانياته للتعامل مع التحديات المعقدة عبر مجالات مثل تغير المناخ والزراعة وعلم المواد.

سلطت لجنة نوبل الضوء على الفرص الواسعة التي تخلقها هذه الاكتشافات في مجالات البيولوجيا والكيمياء. رغم أن هاسابيس يشدد على قدرة الذكاء الاصطناعي التحويلية، إلا أنه يعترف بأهمية الاستخدام المسؤول: "يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسرع اكتشاف العلوم كما لم يحدث من قبل، لكن يجب أن نتعامل معه بحذر."

مع تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل “ألفا فوند”، فإن قدرتها على نمذجة العمليات البيولوجية وتوقع النتائج يمكن أن تحدث ثورة في الرعاية الصحية والاستدامة. إن منح جائزة نوبل لجمبر وهاسابيس يمثل اعترافاً بتأثيرهما الهائل وبداية عصر علمي جديد يلعب فيه الذكاء الاصطناعي دورًا حاسمًا في كشف أسرار الحياة.

في الختام، تعترف جائزة نوبل لعام 2024 في الكيمياء بالمساهمات الرائدة لهاسابيس وجمبر وبيكر في إعادة تشكيل علم البروتين. يُعتبر "ألفا فوند" أداة محورية للباحثين، تسهم بشكل كبير في تسريع الاكتشاف وتوسيع آفاق الابتكار البيولوجي. معًا، تشير هذه التقدمات إلى بداية عصر تحويلي للذكاء الاصطناعي في العلوم، مع إمكانيات هائلة لا تزال تتكشف.

Most people like

Find AI tools in YBX

Related Articles
Refresh Articles