تشير الدراسات الحديثة إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يطور قدرات إدراكية تشبه تلك التي يمتلكها البشر. وقد وجد الباحثون أن بعض الشبكات العصبية أصبحت تُظهر سلوكيات تتماشى بشكل وثيق مع عمليات التفكير البشري. يُعتبر هذا التحول حاسمًا في تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي، مما يجعلها أكثر توافقًا مع احتياجات البشر وتفضيلاتهم، ويساعد الأفراد في تحقيق أهدافهم بشكل أفضل.
تقدم الشبكات العصبية
أظهرت دراسة رائدة نُشرت في مجلة Nature كيف يمكن للشبكات العصبية محاكاة التفكير البشري من خلال تقنية تُعرف بالتعلم الذاتي من أجل التركيب (MLC). تتيح هذه الطريقة الابتكارية لأنظمة الذكاء الاصطناعي التعلم من مجموعة محدودة من المهام، مما يلغي الحاجة إلى برمجة شاملة. بدلاً من ذلك، تستخلص الشبكات رؤى من تعليمات أو أمثلة عالية المستوى، مما يمكّنها من التعلم بشكل مستقل.
في الدراسة، شارك كل من نماذج الذكاء الاصطناعي والمشاركين البشريين في تجارب تتضمن لغة خيالية تحتوي على مصطلحات مثل "دكس" و"ويف"، والتي تقابل نقاط ملونة ووظائف معينة. وكان على المشاركين فهم "قواعد النحو" التي تحدد العلاقة بين الكلمات والتسلسلات البصرية. وقد نجح المتطوعون البشريون في توليد تسلسلات النقاط الصحيحة نحو 80% من الوقت، مما أظهر قدرتهم على التعرف على الأنماط والقواعد. وعندما حدثت أخطاء، كانت غالبًا ذات طابع منهجي، مما يعكس سوء فهم لمعاني الكلمات بدلاً من عدم القدرة على التعلم.
بالطريقة نفسها التي يتفوق بها البشر في دمج مفاهيم جديدة مع المعرفة الموجودة—كالقدرة على فهم "التخطي للخلف" بعد تعلم “التخطي”—تستكشف هذه الدراسة ما إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يحقق قدرات التفكير النظامي المشابهة. وأكد فريق البحث أنهم استخدموا MLC من خلال الشبكات العصبية القياسية فقط دون أطر رمزية إضافية أو تحيزات محددة مسبقًا. من خلال الاعتماد على التوجيهات عالية المستوى والأمثلة البشرية المباشرة، تمكنت الشبكة من تطوير مهارات التعلم اللازمة.
التشابهات الهيكلية بين الذكاء الاصطناعي والإدراك البشري
تتكون كل من أدمغة البشر والشبكات العصبية للذكاء الاصطناعي من وحدات متصلة تُسهل معالجة المعلومات. يوضح إيو أيايلا بورتلا، الرئيس التنفيذي لشركة Gradient Insight، أنه بينما يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة، فإنه يفتقر إلى القدرة البشرية الفطرية في فهم السياق ونقل العمق العاطفي. على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي قادر على إنتاج نصوص متماسكة، إلا أنه لا يمتلك نفس الفهم الشامل أو البصيرة الناتجة عن التجربة البشرية.
ظهور أنظمة ذكية شبيهة بالبشر
لقد حظيت فكرة اكتساب الذكاء الاصطناعي لصفات شبيهة بالبشر بزخم، خصوصًا بعد ادعاءات بشأن نموذج اللغة الكبير GPT-4 الذي أظهر إمكانيات تؤدي إلى الذكاء الاصطناعي العام (AGI)—نظام قادر على أداء المهام بمستوى مماثل لقدرات الإدراك البشري. ومع ذلك، يعبر بعض الخبراء، بمن فيهم غاري ماركوس وإرنست ديفيس من جامعة نيويورك، عن الشك، مشيرين إلى أن نماذج مثل GPT-4 قد تعتمد ببساطة على الأنماط المحفوظة بدلاً من الفهم الحقيقي.
تشير أبحاث إضافية من جامعة شيفيلد إلى أنه بينما يمكن للذكاء الاصطناعي تكرار بعض عمليات التعلم، قد يتطلب التفكير بطريقة مشابهة للبشر تكاملًا أعمق للتجارب الحسية والفهم العاطفي. وتبرز نتائجهم أن الذكاء البشري الحقيقي ينشأ من بنية دماغية معقدة تطورت على مر آلاف السنين وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتجارب الشخصية.
فرص تطبيقات الذكاء الاصطناعي الشبيهة بالبشر
رغم التحديات القائمة، إلا أن الفوائد المحتملة لتطوير الذكاء الاصطناعي الشبيه بالبشر كبيرة. كما يشير بورتلا، قد تُحسن أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على التفكير السياقي اتخاذ القرارات في مجالات مثل القيادة الذاتية والرعاية الصحية. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي المصمم لمحاكاة العمليات الفكرية البشرية أن يعزز السلامة في المركبات الذاتية القيادة أو يساعد المهنيين في الرعاية الصحية في تشخيص الحالات المعقدة من خلال مراعاة تاريخ المريض وحالته العاطفية إلى جانب الأعراض الجسدية.
في الختام، بينما يمثل تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي نوعًا من التشابه مع الإدراك البشري، إلا أنه لا يزال هناك عوائق مهمة يجب التغلب عليها لتحقيق فهم حقيقي مشابه لما يتمتع به الدماغ البشري. ستشكل الاستكشافات المستمرة في هذه المجالات مستقبل تقنية الذكاء الاصطناعي وتكاملها في حياتنا اليومية.