تكشف دراسة حديثة أن نحو 90% من الشركات تتبنى استراتيجيات الذكاء الاصطناعي المسؤولة، سواء من خلال التنفيذ أو التقييم أو التطوير. تأتي هذه الخطوة الاستباقية في وقت حاسم حيث تتعامل الحكومات حول العالم مع تعقيدات تنظيم الذكاء الاصطناعي. حاليًا، 37% من المؤسسات تقوم بتنفيذ استراتيجيات الذكاء الاصطناعي المسؤولة، بينما 34.8% في مرحلة صياغة خططها. ومن اللافت أن 15.4% من الشركات قد وضعت استراتيجية "محددة جيدًا" متكاملة عبر جميع جهود تطوير الذكاء الاصطناعي.
على الصعيد العالمي، تعمل الحكومات على صياغة تشريعات لمعالجة الأضرار المحتملة التي قد تنجم عن الذكاء الاصطناعي، حيث يعد قانون الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوروبي من أكثر التشريعات شمولاً وتقدمًا والمتوقع أن يتم تفعيله بحلول أوائل 2024. في الولايات المتحدة، أطلق الرئيس بايدن أمرًا تنفيذيًا يسهل التحقق العام من نماذج الذكاء الاصطناعي لشركات التكنولوجيا الكبرى، بينما اختتم رئيس وزراء المملكة المتحدة ريشي سوناك مؤخرًا قمة سلامة الذكاء الاصطناعي العالمية الأولى في بارك بليتشلي التاريخي.
رغم القوانين المرتقبة، يقوم القطاع الخاص بخطوات استباقية. التجاوب السريع من جانب الشركات يعد لافتًا؛ ففي العام الماضي فقط، حظي الذكاء الاصطناعي التوليدي باهتمام كبير عند إطلاق ChatGPT من OpenAI، مع أن هذه التقنية موجودة منذ فترة طويلة.
أظهرت القدرات المذهلة لنماذج اللغة الكبيرة والدردشة المرتبطة بها زيادة الوعي بالمخاطر التي تطرحها، مثل الهلوسات والانحيازات ومشاكل حقوق الطبع والنشر والانتهاكات الخصوصية وتهديدات الأمن السيبراني، مما يبرز الحاجة الملحة لممارسات الذكاء الاصطناعي المسؤولة.
ضرورة الذكاء الاصطناعي الأخلاقي
تظهر فوائد اعتماد ممارسات الذكاء الاصطناعي الأخلاقي بوضوح: من زيادة ثقة العملاء إلى تقليل الانتهاكات التنظيمية والقانونية، تدرك الشركات التداعيات الاجتماعية للذكاء الاصطناعي وتبذل جهودًا لضمان أنظمتها تتسم بالشفافية والعدالة والمساءلة.
عند النظر في ممارساتهم، أشار 72% من المشاركين إلى أنهم إما يمتلكون برنامجًا قائمًا أو يخططون لذلك. ومن الملحوظ أن ربع المشاركين فقط أفادوا بأن منظماتهم تفتقر إلى أنظمة إدارة البيانات والحوكمة للذكاء الاصطناعي، بينما ظل عدد كبير غير واثق من وضع شركتهم.
عند النظر في نهجهم، وصف 45.8% الممارسات بأنها "مدروسة وواعية"، مؤكدين أنهم يتقدمون بالسرعة المناسبة. بالمقابل، اعترف 26% أنهم يتحركون أسرع مما يمكنهم من ضمان التنفيذ المسؤول. ومن المقلق أن 19% من الشركات لا تمتلك برامج للذكاء الاصطناعي المسؤول.
شملت الدراسة 227 مشاركًا، أغلبهم من أمريكا الشمالية (43.2%)، مع ممثلين من غرب أوروبا (25.1%) وأفريقيا (9%). كان أكثر من نصفهم موظفين في منظمات تضم أقل من 100 موظف، بينما جاء 12.8% من شركات توظف أكثر من 10,000 موظف. عمل جزء كبير من المشاركين في إدارة الشركات أو في أدوار البحث والتطوير واستراتيجيات التقنية.
التغلب على التحديات
بينما يظهر الحماس تجاه الذكاء الاصطناعي المسؤول، توجد تحديات عديدة، خاصة غياب التعريفات والمعايير الموحدة. يتطلب المجال المتطور بسرعة تحديثات منتظمة للسياسات التنظيمية لضمان فعاليتها.
يعتبر رصد الممارسات الأخلاقية للذكاء الاصطناعي أمرًا حيويًا، إلا أن النتائج تشير إلى وجود مجال للتحسين. بينما ادعى 60% من المشاركين أنهم يقيسون دقة تنفيذ الذكاء الاصطناعي المسؤول، فإن هذه النسبة أقل بكثير من نحو 90% من الذين طبقوا أطر الذكاء الاصطناعي الأخلاقي. فقط 18.1% لديهم هذه المقاييس مثبتة بشكل جيد، بينما لا يزال 41.9% يحرزون تقدمًا نحو هذا الهدف.
تم هيكلة عملية قياس الذكاء الاصطناعي الأخلاقي لـ33.9% من المشاركين، حيث تتضمن خطوات وإرشادات واضحة ورصد مستمر. في المقابل، لا يزال 21.1% يعملون على تطوير عملياتهم الرسمية. ومن المقلق أن نحو خُمس المشاركين لا يمتلكون استراتيجية قياس أو لا يعرفون نهج شركتهم.
عند سؤالهم عن توقيت دمج اعتبارات الذكاء الاصطناعي المسؤول، أفاد 40% أنهم يقومون بذلك قبل تصميم أو تنفيذ التكنولوجيا، بينما 41.4% يدمجون الاعتبارات الأخلاقية خلال مرحلة التصميم. بينما يعير 10.6% منهم اهتمامًا لهذه القضايا بعد التنفيذ.
بين التطبيقات ذات الأولوية للذكاء الاصطناعي المسؤول، حصلت التحليلات التنبؤية على 30.4% من الأصوات، تلتها تجربة العملاء بنسبة 27.3%، والدردشات والمساعدين الافتراضيين بنسبة 20.3%. أما المناطق الأقل أولوية، كما أشار المشاركون، فهي التعرف على الصوت/الكلام، وتحليل النص، والتحليلات المرئية.
عصر جديد من تطوير الذكاء الاصطناعي
تسلط الدراسة الضوء على لحظة حاسمة في مجال الذكاء الاصطناعي. مع اتساق ممارسات الشركات مع استراتيجيات الذكاء الاصطناعي المسؤول وتقدم الحكومات في التدابير التنظيمية، نحن على الأرجح ندخل عصرًا يكون فيه الاعتبارات الأخلاقية جزءًا أساسيًا من الابتكار في الذكاء الاصطناعي—مما يدل على تحول ملحوظ في تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي.